🤝 هل من الممكن مصادقة شخص نرجسي؟ ولماذا العلاقة معه دائمًا غير متوازنة؟



في الظاهر، قد يبدو النرجسي شخصًا محبوبًا، ناجحًا، واجتماعيًا من الدرجة الأولى.

دائمًا ما يظهر محاطًا بالناس، يتم استقباله بحرارة في كل مكان، ومتابعيه في وسائل التواصل كُثُر.

لكن حين تقتربين منه كـ”صديقة”، وتسمحين له بالوجود في مساحة أعمق من حياتك… تبدأين بملاحظة شيء لا يُطمئن.


العلاقة معه تبدو جميلة في البداية… لكنها مع الوقت تتحول إلى عبء ثقيل، استنزاف دائم، وشك مستمر في ذاتك.

لماذا؟ لأن النرجسي لا يعرف كيف يكون “صديقًا” بالمعنى الحقيقي. بل يعرف كيف يكون محاطًا بالناس… لا مرتبطًا بهم.




أولًا: لماذا النرجسي يحب تكوين صداقات كثيرة؟


لفهم هذا السلوك، نحتاج أن نعرف شيئًا عن البنية النفسية للنرجسي.


الشخص النرجسي غالبًا يعاني في داخله من شعور بعدم الكفاية والفراغ.

نعم، رغم أنه يبدو واثقًا، مميزًا، ويحب نفسه كثيرًا، إلا أن هذه “الثقة” سطحية جدًا، ومبنية على نظرة الآخرين له وليس على تقدير داخلي حقيقي.


لذلك… هو يبحث عن الصداقات ليس بدافع القرب، بل بدافع:


1. تثبيت الصورة الخارجية


النرجسي يعيش على “صورته أمام الآخرين”.

وجود عدد كبير من الأصدقاء حوله يدعّم هذه الصورة:

“الكل يحبني، إذًا أنا ناجح. إذًا أنا شخص يستحق.”


هو ما يبحث عن العلاقة نفسها، بل عن الشعور المصاحب لها أمام الناس.

كأن كل صديق يضيف له نقطة جديدة في “رصيده الاجتماعي”.


2. الهروب من مواجهة الداخل


الوحدة عند النرجسي تهديد وجودي.

لأنها تعني لحظات يصمت فيها الإعجاب الخارجي، ويضطر يواجه صوته الداخلي — وغالبًا ما يكون هذا الصوت ناقدًا، مؤلمًا، ومزعجًا له.


لذلك، يملأ حياته بـ:

لقاءات سطحية

علاقات متقلبة

صداقات كثيرة لكنها هشة


كل هذا حتى لا يصمت يومًا ويشعر بالخواء الحقيقي داخله.


3. التحكّم في الناس كمصدر قوة


كل شخص جديد يدخل حياته، هو فرصة للسيطرة والتفوق.

هو لا ينظر إلى الآخر ككائن متكامل، بل كـ”امتداد” له:

هذا يعززني

هذا يخدمني

هذا يعطيني شعور بالنجاح


بمعنى آخر: الأصدقاء بالنسبة له هم موارد… وليست أرواح.




ثانيًا: كيف يتصرف النرجسي داخل الصداقة؟


في البداية:

يظهر تعاطفًا غير عادي

يبادرك بالاهتمام والثناء

يضحكك، ويشعرك بأنك “مميزة”

قد يقول لك: “أنت غير عن كل الناس اللي عرفتهم!”


لكن هذا كله جزء من “فترة التثبيت”


(أو ما يسمى بسيكولوجية العلاقات النرجسية بـ Love Bombing — حتى لو كانت علاقة صداقة).

هو في البداية يرفعك، حتى تصبحين “مُرتبطة” به نفسيًا،

ثم يبدأ تدريجيًا بتغيير ديناميكية العلاقة:


بعد التعلق:

يقل الاهتمام فجأة

يبدأ بانتقادك، لكن بطرق ساخرة أو ملتوية

يظهر تذمره من نجاحاتك، أو يحاول إفسادها

يختفي عندما تحتاجين له، ثم يعود عندما يحتاجك

يبدأ يقارن نفسه بك ويشعرك بأنك أقل

وإذا حاولتِ وضع حدود، يتهرّب أو ينفجر أو يقلب عليكِ الطاولة




ثالثًا: لماذا يصعب الانفصال عن صداقة نرجسية؟


لأن العلاقة مع النرجسي لا تكون سيئة طوال الوقت…

بل تكون متذبذبة، وهو ما يجعلها مربكة جدًا.


النمط الشائع:

1. يهتم بك فجأة

2. يهملك تدريجيًا

3. يختفي تمامًا

4. يعود باعتذار ناعم أو ذكريات جميلة

5. ثم يعيد الكرة


هذا التذبذب يخلق “إدمان عاطفي” عند البعض، لأن الدماغ يربط أي اهتمام جديد بأنه مكافأة بعد حرمان، وبالتالي يعزّز التعلّق حتى لو العلاقة سامة.




رابعًا: هل كل علاقة صداقة فيها هذه الصفات تعتبر نرجسية؟


ليس بالضرورة.


لكن هناك فروقات جوهرية:

الصديق الحقيقي

الصديق النرجسي

يفرح بنجاحك

يتضايق من نجاحك

يسمعك فعليًا

يقاطعك أو يحوّل الحديث إليه

يحترم خصوصيتك

يتطفل ويستخدم معلوماتك ضدك

يقبلك حتى في الخلاف

يهاجمك إذا خالفتِه

العلاقة معه مريحة

العلاقة معه مرهقة ومتقلبة





خامسًا: كيف أعرف إن عندي صديق نرجسي؟


اسألي نفسك الأسئلة التالية:

هل أشعر بأنني أُعطي أكثر مما أستقبل؟

هل أشعر أنني دائمًا مضطرة لإثبات نفسي أو الدفاع عنها؟

هل أرتبك عند التواصل معه وأخشى ردوده؟

هل يقلل من إنجازاتي أو يسخر من أحلامي؟

هل أشعر بعد اللقاء به بأنني “أقل” أو “أضعف”؟


إذا كانت معظم الإجابات “نعم”… فأنتِ غالبًا في علاقة غير صحية.




سادسًا: هل يمكن الاستمرار في علاقة صداقة نرجسية؟


الإجابة المختصرة: نادرًا.


لكن أحيانًا… لأسباب واقعية، لا يمكن الانسحاب الفوري (زمالة عمل، صديق قديم، دائرة مشتركة…).

في هذه الحالات:


شروط البقاء:

لا تتوقعي دعمًا حقيقيًا منه

تعاملي معه بحدود واضحة جدًا

لا تكشفي له عن حياتك أو نقاط ضعفك

حافظي على مساحة نفسية داخلك لا يدخلها أحد


الوعي هو درعك.




سابعًا: كيف تنسحبين بأمان؟


الانسحاب من العلاقات النرجسية يحتاج ذكاء عاطفي وهدوء.


خطوات عملية:

1. توقفي عن رد الفعل:

لا تغضبي، لا تتفاعلي، لا تبرري كثير.

2. خفّفي التواصل بالتدريج

لا تقطعي فجأة، خففي اللقاءات والردود والرسائل.

3. حولي العلاقة إلى “شكل اجتماعي عام”

بدل العلاقة الحميمة، اجعليها سطحية ومحددة بوضوح.

4. ضعي حدًا نهائيًا إن لزم الأمر

إذا استمرت الأذية، قولي بوضوح:

“أنا أحتاج أبتعد شوي لأن العلاقة صارت تجهدني أكثر مما تبنيني.”




تمرين: خريطة الطاقة العاطفية


ارسمي خريطة دائرية ووزعي فيها أسماء الأشخاص اللي تتعاملين معهم كثيرًا.

ثم بجانب كل اسم، اكتبي:

هل أشعر بالراحة بعد لقائي به؟

هل أشعر بالأمان معه؟

هل يعطيني طاقة… أم يسرقها مني؟


أعدّي النظر في كل اسم سبّب استنزافًا واضحًا.




اقتباسات ختامية تلهمك:


“النرجسي لا يحبك… يحب شعور السيطرة عليك.”

“الصداقة ليست وجودًا دائمًا فقط… بل دعم، وصدق، وتقدير.”

“علاقات كثيرة… لا تعني قلبًا ممتلئًا.”




خلاصة:


النرجسي قد يكون محاطًا بالكثير من الناس، لكنه نادرًا ما يمتلك صديقًا حقيقيًا.


هو لا يعرف كيف يكون في علاقة متبادلة… لأنه يرى الآخرين كامتداد له، لا كشركاء حقيقيين.


العلاقة معه مرهقة لأنها غير متكافئة… ومبنية على أداء أدوار لا على المحبة الحقيقية.


إذا شعرتِ أن الصداقة مع هذا الشخص تستنزفك، فثقي بحدسك، وابدئي بخطوات استعادة توازنك.

فالصداقة التي تؤذي ليست صداقة… بل عبء نفسي لا تستحقينه.


تعليقات

لا توجد تعليقات بعد