هل يحب النرجسي فعلًا؟ أم كل شيء مجرد تمثيل؟
في بداية العلاقة، يظهر لك بصورة ساحرة، مهتمة، مشغولة بكِ على مدار الساعة.
يقول لك كلمات لم تسمعيها من أحد من قبل، يفتح لك مساحات من الأمل، ويعدك بعلاقة غير عادية.
تعتقدين أن هذا هو الحب… وربما هو أيضًا ظنّ أنه يحبك.
لكن مع مرور الوقت، تبدأين تلاحظين تصرفات لا تشبه الحب أبدًا:
• اختفاء مفاجئ عند احتياجك له
• تقليل من مشاعرك
• غضب من نجاحك
• تغيير فجائي في معاملته
• تجميد أو عقاب صامت لأي خلاف بسيط
فـ ما الذي يحدث هنا؟ هل أحبك ثم تغيّر؟ أم أن كل ما عشتيه كان تمثيلًا متقنًا؟
أولًا: ما هو الحب الحقيقي أصلًا؟
الحب الحقيقي يُبنى على:
• رغبة في رؤية الآخر سعيدًا، حتى لو لم أكن دائمًا سبب هذه السعادة.
• الاحترام العميق للحدود، والاعتراف بأن الآخر كيان مستقل.
• المسؤولية المشتركة، والقدرة على الاعتذار والنمو معًا.
• الصدق والتواصل المفتوح، لا التلاعب والخوف والصمت العقابي.
وهنا يكمن الفارق الجذري:
النرجسي لا يرى الحب بهذا الشكل.
ثانيًا: كيف يرى النرجسي الحب؟
النرجسي يرى الحب كـ:
• وسيلة لتثبيت صورته (“أنا جذّاب، مرغوب، مميز”)
• أداة للسيطرة العاطفية (“أنتِ لي وحدي”)
• مصدر للإعجاب الدائم (“أنتِ هنا عشان تحبيني وتدعّمين ثقتي بنفسي”)
• تغذية للفراغ الداخلي (“أحتاجك تملي نقصي”)
بمعنى آخر:
هو لا يحبك… بل يحب “كيف يجعله وجودك يشعر عن نفسه”.
ثالثًا: هل كان يكذب طوال الوقت؟
مو شرط يكون يكذب بوعي…
النرجسي في كثير من الحالات يصدّق نفسه في لحظتها.
يقول “أحبك” وهو فعلًا يشعر بشيء قوي — لكن هذا الإحساس ما يستند إلى عمق أو التزام أو مسؤولية.
هو يحبك ما دمتِ تلعبين دورًا يناسب صورته الذاتية.
بمجرد ما:
• تطالبين بالاحترام
• تضعين حدود
• تنجحين بدونه
• ترين أخطائه بوضوح
… يبدأ ينقلب عليك، أو ينسحب، أو يتحوّل إلى شخص آخر.
رابعًا: علامات “الحب النرجسي”
1. كثافة عالية في البداية… ثم انهيار مفاجئ
يبدأ العلاقة بسرعة، اهتمام زائد، تواصل مكثف، ووعود كبيرة — ثم يبدأ يبرد فجأة أو يختفي.
2. شعور دائم بأنك تمشين على قشر بيض
أي كلمة، تصرف، أو حتى صمت منك… ممكن يُفهم بشكل سلبي ويؤدي لعقاب عاطفي.
3. لا اعتذار حقيقي، لا مسؤولية
حتى بعد أذى واضح، يقول:
• “أنتِ اللي فهمتيني غلط”
• “أنا كنت أمزح”
• “لو ما استفزيتيني ما صار كذا”
4. يحبك فقط عندما تكونين ضعيفة أو تابعة
بمجرد ما تقوين، أو تستقلين، أو تتغيرين… تبدأين تشعرين بالرفض أو التهميش.
خامسًا: لماذا يصعب تصديق أنه لا يحب فعلًا؟
لأن البداية كانت شديدة القوة.
لأننا كبشر نميل إلى تصديق السلوك الجميل، ونربطه فورًا بالحب.
وأيضًا لأنك قد تكونين أحببته فعلًا من قلبك، فتظنين أن هذا الحب متبادل.
لكن الحقيقة المؤلمة:
مشاعرك العميقة ما تعني تلقائيًا إن الطرف الآخر يشعر بالمثل.
سادسًا: طيب، هل النرجسي غير قادر تمامًا على الحب؟
هنا ندخل في جدل علم النفس العميق…
بعض المدارس تقول إن النرجسي “يعاني من خلل في الارتباط العاطفي”، أي لا يستطيع تكوين روابط حقيقية لأنه لا يرى الآخر كـ”شخص مستقل”، بل كـ”أداة” تلبي احتياجه.
وفي المقابل، بعض الباحثين يرون أن النرجسي قادر على الحب، لكن بشكل محدود جدًا، مشروط، ومربك.
بمعنى:
قد يشعر بشيء يشبه الحب…
لكن لا يستطيع ترجمته إلى:
• تضحية
• أمان
• اعتراف بالخطأ
• احترام حقيقي للآخر
سابعًا: إذا شعرت أني كنت أحب نرجسي… هل كل مشاعري كانت وهم؟
أبدًا.
مشاعرك كانت حقيقية، ونبيلة، وصادقة.
لكن المؤلم في العلاقات النرجسية أن الشخص الآخر ما كان يحبك بنفس الطريقة.
أنت أحببته من قلبك…
وهو أحبك من حاجته.
تمرين داخلي: 3 أسئلة بعد قراءة هذا المقال
اكتبي على ورقة:
1. ما أكثر لحظة شعرت فيها بأن العلاقة غير متوازنة؟
2. متى آخر مرة اعتذر فيها بصدق؟
3. هل أحسست يومًا بأنه يحبك… أم أنه يحب أن تكوني متاحة له فقط؟
اقتباسات تلهمك:
“الحب الحقيقي لا يطلب التضحية بهويتك.”
“النرجسي لا يحبك… بل يحب تأثيرك عليه.”
“ما كل من قال أحبك… يعنيها بالطريقة التي تستحقينها.”
خلاصة:
النرجسي قد يقول “أحبك”، وقد يشعر بشيء يشبه الحب…
لكن ما لم يكن هذا الشعور مصحوبًا باحترام، أمان، تحمل للمسؤولية، وتقدير لذاتك كإنسانة مستقلة — فهو ليس حبًا… بل تعلق نرجسي.
لا تنتظري إثبات الحب من شخص يرى نفسه فقط، ويريدك امتدادًا له لا شريكة له.
الحب الحقيقي لا يخيفك… لا يجعلك تتشككين في نفسك… لا يجعلك تبكين أكثر مما تضحكين.
تعليقات
لا توجد تعليقات بعد
إرسال تعليق