🧬 هل النرجسية وراثة أم تربية؟ تحليل نفسي عميق يغيّر نظرتك للأمور

طفل يحمل قناعًا أبيض أمام وجهه في لوحة رمزية تعبّر عن الجذور الخفية للنرجسية بين الطفولة والتكوين النفسي.


🔍 مقدمة

هل النرجسي يُولد هكذا؟ أم أنه يُصنع من بيئة لم تمنحه الحب الكافي؟ هذا السؤال لا يُطرح فقط من باب الفضول، بل من عمق الألم. كثيرٌ منا يحاول أن يفهم سلوك شخص نرجسي في حياته: شريك، صديق، أو حتى أحد الوالدين. لكن قبل أن نحكم، علينا أن نفهم: هل النرجسية جينات تُورَّث؟ أم جراح تتكوّن؟

🧠 أولًا: ما هي النرجسية من الناحية النفسية؟

النرجسية اضطراب في الشخصية يتميّز بالشعور المبالغ فيه بالأهمية، والحاجة المستمرة للإعجاب، مع نقص في التعاطف. ليس كل من يملك ثقة عالية بنفسه نرجسيًا، ولكن النرجسي عادة يخفي خلف قناعه القوي هشاشة شديدة، وغالبًا ما يستخدم التلاعب والتقليل من الآخرين لحماية صورته الداخلية.

🧬 ثانيًا: هل النرجسية وراثية؟

تشير الأبحاث إلى أن هناك عوامل وراثية تلعب دورًا في تكوين الصفات النرجسية. دراسة نُشرت في Journal of Personality وجدت أن التوائم المتطابقين لديهم تشابه ملحوظ في السلوكيات النرجسية، مما يشير إلى وجود تأثير جيني.

لكن… الجينات لا تكتب المصير وحدها. فالوراثة قد تهيّئ القالب، لكن البيئة هي من تصب فيه المحتوى.

🏡 ثالثًا: تأثير التربية والبيئة

البيئة العائلية لها تأثير عميق جدًا على تشكّل النرجسية. بعض العوامل الشائعة في الطفولة التي ترتبط بتكوين الشخصية النرجسية:

  • الإفراط في التقدير والمدح بدون حدود (يجعل الطفل يظن أنه مركز الكون)
  • أو على النقيض: الإهمال العاطفي، مما يدفع الطفل لتطوير قناع العظمة لحماية نفسه من الشعور بعدم الكفاية
  • التمييز بين الإخوة أو التلاعب العاطفي داخل الأسرة

في بيئة كهذه، يتعلّم الطفل أن الحب مشروط، وأن القيمة مرتبطة بالأداء أو المظهر، لا بالمشاعر الحقيقية.

⚖️ وراثة أم تربية؟ الحقيقة المعقّدة

معظم علماء النفس اليوم يتفقون على أن النرجسية ناتجة عن تفاعل معقّد بين الجينات والبيئة. لا يمكننا القول أن النرجسي هو "ضحية جينات" فقط، ولا "نتاج تربية سيئة" فقط.

بل هو شخص تشكّلت شخصيته في بيئة ما، وغالبًا لم يُسمح له بأن يكون ضعيفًا، أو صادقًا، أو محبوبًا كما هو.

🪞 خامسًا: هل يمكن للإنسان أن يتغيّر؟

التغيير ممكن، لكن صعب. لأن النرجسي غالبًا لا يعترف أن لديه مشكلة. بل يرى أن الآخرين هم من يحتاجون إلى التعديل. فقط حين يواجه الشخص نتائج مؤلمة بسبب سلوكه (مثل فقد علاقات أو شعور داخلي بالفراغ)، قد يبدأ رحلة الوعي.

وحتى لو لم يتغير، يمكنك أنت أن تتعلّم كيف تحمي نفسك، وتضع الحدود، وتشفى من آثار العلاقة النرجسية.

🌱 تمرين وعي: هل تعرف شخصًا نرجسيًا؟

خذ لحظة لتسأل نفسك:

  • هل هناك شخص في حياتك يصعب عليه الاعتذار أو رؤية خطأه؟
  • هل تجد نفسك تمشي على قشر بيض حين تتعامل معه؟
  • هل تشعر أنه يستخدم نقاط ضعفك ضدك؟

إن كانت الإجابة "نعم"، فربما تتعامل مع شخص نرجسي. لا تهدف هذه المعرفة للومه، بل لفهم نفسك، وحمايتها.

💛 خاتمة

النرجسية ليست فقط "طباع سيئة"، بل نتاج لجراح عميقة ربما لم تُعالَج. لكنها أيضًا لا تعني أن نتسامح مع الأذى أو نبرر السلوك المؤذي.

عندما نفهم الجذور، نستطيع أن نضع الحدود من رحمة، ونبتعد من وعي، ونشفي أنفسنا بلطف.

تعليقات

لا توجد تعليقات بعد