الحساسية الزائدة: كيف تحمي رقتك من الإنهاك؟

 



في الزوايا الهادئة من النفس، تسكن الحساسية الزائدة، لا كعيبٍ يجب إصلاحه، بل كنعمة تتطلب حكمة.

يشعر الشخص الحساس بتفاصيل لا يلحظها الآخرون، يستوقفه الصوت، تلمسه الكلمة، وتؤثر فيه ملامح العابرين.

لكن هذه الرقة، رغم جمالها، قد تتحوّل إلى عبء إذا لم نحسن فهمها واحتوائها.


فكيف نعيش بسلام مع هذا العمق؟

وكيف نرعى رقتنا دون أن تُثقل قلوبنا الحياة؟





ما هي الحساسية الزائدة من منظور علم النفس؟



وفقًا للدكتورة “إيلين آرون” صاحبة نظرية Highly Sensitive Person – HSP، فإن الشخص الحساس يمتلك نظامًا عصبيًا فائق الاستقبال، مما يجعله:


  • أكثر تأثرًا بالتوتر والضجيج.
  • أكثر وعيًا بالمشاعر الدقيقة من حوله.
  • أكثر قابلية للإرهاق في البيئات المزدحمة أو المجهدة عاطفيًا.



وأظهرت دراسات تصوير الدماغ (مثل fMRI) أن أدمغة الأشخاص ذوي الحساسية العالية تنشط بشكل أكبر في مناطق معالجة المشاعر، مثل القشرة الحزامية الأمامية واللوزة الدماغية.





استراتيجيات عملية للتعامل مع الحساسية الزائدة




1. 🌿 الوعي الذاتي: من الدفاع إلى الفهم



ابدأ بإعادة تعريف نفسك:


“أنا لست ضعيفًا، بل أمتلك إحساسًا دقيقًا يحتاج رعاية.”


تقنيات مثل العلاج المعرفي السلوكي (CBT) تساعد على إدراك الأفكار المُبالغ بها وتعديلها.

عندما ينتقدك أحدهم، لا تعتبره رفضًا شخصيًا، بل رأيًا قد يحمل نُقطة للتطوير.





2. 🪷 إدارة البيئة: راحة الأعصاب تبدأ من المحيط



  • قلّل التعرض للأماكن الصاخبة.
  • استخدم الإضاءة الطبيعية بدلًا من الاصطناعية القوية.
  • خصّص لنفسك ركنًا هادئًا في المنزل للراحة.



دراسة في Journal of Personality and Social Psychology أثبتت أن البيئات الهادئة تقلل من هرمون التوتر الكورتيزول لدى الأشخاص الحساسين.





3. 🧘‍♀️ التوازن الجسدي: الجسم بوابة النفس



مارس التأمل، تمارين التنفس العميق، واليوغا.

المشي في الطبيعة، الاستحمام الدافئ، وحتى التأمل القصير قبل النوم…

كلها تعيد توازن الجهاز العصبي، وتمنح النفس متّسعًا لالتقاط أنفاسها.


هذه ليست وسائل للهروب من المشاعر، بل بوابات لتنظيمها.





4. 🔒 وضع الحدود النفسية: حماية الداخل ليست أنانية



الحسّاسون يعطون كثيرًا… لكنهم بحاجة أيضًا إلى أن يقولوا: “توقّف”.

الحدود هي سورٌ داخلي يمنع الاستنزاف.

قل “لا” دون ذنب، وتوقّف عن إرضاء من لا يفهمك.

اختر من تُشاركهم طاقتك، وامنح نفسك الإذن بالابتعاد إن لزم الأمر.





5. 🎨 تحويل الشعور إلى إبداع



حين تمتلئ الروح، دعها تفيض بطريقة صحية.

اكتب، ارسم، غنِ، تحدّث…

فالفن ليس ترفًا، بل صمام أمان للمشاعر الرقيقة.

وقد أثبتت أبحاث منشورة في Frontiers in Psychology أن التعبير الإبداعي يساعد على تنظيم المشاعر ويقلل من القلق.





هل الحساسية الزائدة نقمة أم نعمة؟



ليست هناك إجابة واحدة.

لكن يمكن القول إنها كالسيف:

إن لم تتعلم كيف تمسكه… قد يجرحك.

وإن أتقنت حمله… قد يحميك، وقد يفتح لك أبوابًا لفهم أعمق للحياة والبشر.


أن تكون حساسًا يعني أن تلمس الحياة بيدك العارية…

أن تحسّ ما لا يُقال، وتفهم ما لا يُعبّر عنه بسهولة.





ومضة ختامية:



“أنا لا أريد حياة أقل اضطرابًا… بل نفسًا أكثر اتساعًا.”

– فرجينيا وولف


احتضن رقتك. روّض حدّتك. وامشِ في هذا العالم لا كمن يعتذر عن مشاعره، بل كمن يعرف أن الحسّ العالي… هو نوع نادر من الذكاء العاطفي.


تعليقات

لا توجد تعليقات بعد