الارتباط العميق والانفصال الحاسم
في أعماق النفس البشرية،
توجد طاقة هائلة للحب، للعطاء، للتعلّق.
حين يشعر القلب بأن هناك ما يستحق،
يمدّ جذوره دون تردد…
يتورط، يتشبث، ينسج التوقعات كأنها أكفان للأمل.
وهذا هو الارتباط العميق.
❖ ما هو الارتباط العميق؟
هو أن يرى الإنسان جمالًا صغيرًا، ويمنحه قداسة.
أن يضخّ مشاعره في تفاصيل لا يراها الآخرون مهمة،
لكنها بالنسبة له… كافية لخلق انتماء.
هو نوع من الوفاء قبل النضج،
وهو إيمان بأن القليل من الجمال يمكنه أن يُنقذ الكثير من الألم.
❖ ولكن، متى يتحول التعلّق إلى خنق؟
حين يبدأ القلب يشعر أنه يعطي أكثر مما يحتمل،
حين يصبح العطاء شكلًا من أشكال النجاة، لا المشاركة.
وحين يتحول التبرير إلى عذر دائم لمواصلة ما يؤذي،
فإن لحظة الوعي تبدأ بالاقتراب، بصمت.
❖ الانفصال الحاسم:
لا يأتي بضجة.
لا يصاحبه لوم ولا جدال.
بل يسقط كحقيقة داخلية يقول فيها المرء:
“أنا لم أعد أحتاج هذا.”
وما كان في السابق صعبًا تخيّل الحياة بدونه،
يصبح بلا طعم، بلا جدوى.
ليس كُرهًا، بل شفاءً من الوهم.
✦ المفارقة الكبرى:
القلوب التي تتعلق بعمق،
هي نفسها التي تعرف كيف تنفصل بحسم.
لأنها حين تقرر، تفعل ذلك بعد أن تكون منحت كل الفرص،
وكل الأعذار، وكل الصبر الممكن.
وإذا ما نفد هذا المخزون؟
تتحول إلى شيء آخر…
هادئ، واعٍ، حاسم… ومُدهش في انسحابه.
❖ ما بين التعلق والانفصال:
هناك نضج لا يُقال،
بل يُعاش.
نضج الإنسان الذي لا يخشى الانتماء،
ولا يهاب الفُكاك.
إنه ليس انسحابًا عن الحب،
بل عودة إلى الذات.
إلى المكان الذي لا يشترط الألم لكي نشعر أننا أحياء.
في النهاية،
الارتباط العميق ليس ضعفًا…
والانفصال الحاسم ليس قسوة.
بل هما وجهان لحياة عاطفية ناضجة،
تعرف كيف تعطي بكل الصدق،
وكيف تستعيد نفسها، حين لا يبقى شيء يستحق البقاء.
تعليقات
لا توجد تعليقات بعد
إرسال تعليق