💫 شعور التدفّق والانغماس: عندما يذوب الزمن وتُولد الذات من جديد


✦ ما هو التدفّق؟

هل سبق أن شعرتِ أن الزمن توقف؟
أنك كنتِ تمارسين شيئًا ما — تصميمًا، كتابة، برمجة، تنظيفًا حتى — وفجأة، لم تعودي تدركين أين أنت، كم الساعة، أو ما يدور حولك؟
كأنك تذوبين في اللحظة، تصبحين أنتِ والمهمة شيئًا واحدًا… بدون جهد، بدون تكلّف، فقط سلاسة نقيّة تنساب من روحك.

ذلك هو شعور "التدفّق – Flow"، كما وصفه عالم النفس "ميهالي تشيكسنتميهاي".
حالة عقلية نادرة، يصفها من يعيشها بأنها:

"اللذة القصوى في الفعل نفسه… وليس في نتيجته."

 

✦ كيف يبدأ التدفّق؟

لا يأتي التدفّق عندما نُجبر أنفسنا على شيء.
بل يولد حين يتقاطع التركيز مع الشغف،
حين نكون منغمسين في مهمةٍ تتحدانا بما يكفي لنشعر بالحياة، لكنها لا ترعبنا فنهرب منها.

هو ذلك الحد الفاصل بين الملل والقلق، بين السهل والمستحيل.
هو حين تقولين: "أنا هنا بالكامل… ولا شيء آخر يهم."


✦ شعور التدفّق… كيف يبدو؟

  • الزمن يذوب: تنظرين للساعة وتتفاجئين أنها مرّت 3 ساعات وأنتِ لم تشعري بها.

  • لا وجود لـ “أنا”: لا تفكرين في نفسك، شكلك، صوتك… كل شيء يختفي، ويبقى الفعل.

  • العمل يصبح لذة: لستِ "تحاولين" إنجاز المهمة، بل هي تجري من خلالك بسلاسة كالماء.

  • كل شيء يبدو مترابطًا: كأن العالم كله يتآمر ليجعل المهمة تمضي كما ينبغي.


✦ من يعيش التدفّق؟

ليس فقط الفنانين أو المبدعين…
بل كل من يعمل بقلبه.
الطفل وهو يرسم… الطاهي وهو يقطّع بدقة… المبرمج حين ينسى أنه يجلس أمام شاشة…
حتى العاملة التي تنظّف بيتها بمحبة، تغني وتعيد ترتيب الأشياء كأنها تعزف مقطوعة.

✦ وهل التدفّق دائم؟

لا، وهو لا يجب أن يكون كذلك.

لأن التدفّق، وإن كان جميلاً، لا يصلح لأن يكون حالة مستمرة.
لو كان دائمًا، لانقطع عن سحره.
بل هو مثل لحظة النشوة… تأتي لتذكرنا أننا "أحياء"، ثم تذهب كي نشتاق لها.

✦ التدفّق والانغماس… وسرّ الشفاء

في لحظة التدفّق، ننسى أنفسنا الجريحة.
يتوقف الصوت الداخلي الذي يقول "أنتِ مقصّرة" أو "لستِ كافية"،
ويعلو صوت أهدأ: "انظري… أنتِ تصنعين شيئًا جميلاً، الآن، بيديكِ."

وفي هذا، نوع من الشفاء العميق.
أن تعودي لنفسك، لكن دون أن تراقبيها.
أن تكوني "في" الحياة، لا "خارجها" تفكرين بها.

✦ حين يكون التدفّق هروبًا

لكن انتبهي…
في بعض الأحيان، نستخدم التدفّق كطريقة للهروب من مشاعر لا نريد مواجهتها.
ننغمس في العمل لأننا لا نريد سماع أفكارنا.
وهنا، التدفّق لا يحررنا… بل يؤجل المواجهة.

التدفّق الحقيقي لا يُستخدم ليُخدّرنا، بل ليُحررنا.


✦ كيف نستدعي التدفّق؟

  1. اختاري مهمة تحبينها وتُشعلك.

  2. أغلقي كل المشتتات.
    ضعي هاتفك في غرفة أخرى. أنشئي فقاعة تركيز.

  3. حددي وقتًا زمنيًا قصيرًا كبداية.
    25 دقيقة فقط… ثم استراحة.

  4. ثقي في نفسك.
    لا تنتظري الإلهام. ابدئي، وسيتدفق معك.

  5. راقبي جسدك.
    إذا بدأ يتعب… خذي نفسًا، وقفي، واشكري اللحظة.


✦ لماذا هذا الشعور مهم؟

لأن في التدفّق…
نلتقي بذواتنا الصافية،
نكتشف ما نحب حقًا،
ونتعلم أن السعادة ليست في الإنجاز النهائي، بل في لحظة “الانغماس”.


✦ وقفة معكِ أنتِ

عزيزتي...
إذا كنتِ تنغمسين في عملك لدرجة تنسين فيه نفسك — فهذا ليس ضعفًا.
بل قوة نادرة، ولغة لا يجيدها الجميع.

لكن لتكون نعمة لا نقمة،
علّمي نفسك الخروج بسلام، مثلما تدخلين باندماج.


✨ في النهاية:

التدفّق هو الهدية التي تمنحنا الحياة عندما نعمل بصدق.
لا تطارديه… بل وفّري له أرضًا خصبة: شغف، تركيز، نية.
وساعتها… سيأتي وحده، ويجلس بجوارك، ويهمس:
"أنتِ تمامًا حيث ينبغي أن تكوني."

 

تعليقات

لا توجد تعليقات بعد